(إسقاط الهمزة في بداية الاسم في اللهجة الحسانية)
إن المتتبع لنصوص لغن كثيرا ما يلحظ وجود بعض الأسماء التي يتصرف فيها "لمغنّي" حسب الحاجة فتارة يتركها على أصلها وتارة يسقط الهمزة ويكتفي بما تبقى من الاسم مثل: (( أرگاج، أتاي، أبراد، أطار، إلين،إنجيهَْ، أمندور، أفلواط، أوسراط، أكرژي،أقام، أقان، أواجيل، أميماط ، أمجحاط، أنيوال، أجار، أدناي، أگافَ، أدنداج..)) إلى غير ذلك من تلك المفردات، وفي هذا الصدد تتشكل لدينا بعض الأسئلة التي هي من قبيل هل هذه الهُمز من أصل الكلمة ؟ أم إنها وضعت للدلالة على أنها من أصل غير عربي ؟ وفي تلك الحالة هل يمكن إسقاطها ؟ ولماذا يسقطها "لمغنيين" تارة؟ وتارة يثبتونها ؟ وما الصواب في ذلك؟
لايخفى على ذي بصيرة أن هذه الأسماء تنطق هكذا بهذه الهُمز وأن الأصل بقاء ما كان على ماكان كما هو مقرر عند الأصوليين ومع ذلك تبقى اللغة في أغلبها على الأقل وكذا اللهجة سماعية وقد سمع في بعض المناطق حذف أغلب تلك الهمز إن لم يكن جميعها وكما هو مقرر أيضا خطأ شائع أفضل من صواب مهجور، لكن حين نتجاوز هذه الجدلية التي لا تحسم الموضوع إلى مسألة أخرى وهي هل هذه الهمز من أصل الكلمة؟ سنجد أن هذه الهمز حين مايدخل عليها بعض الحروف تختفي مثل حرف الفاء والواو والذال واللام (فتايْ، وتايْ ، ذتاي، لتاي ) فدل ذلك على أنهم ليسوا من أصل الكلمة لكن يبقى السؤال الذي يفرض نفسه إذا كانو ليسو من أصل الكلمة فلماذا وضعوا أصلا ؟ ونجيب عن ذلك بأن هذه الكلمات أصلها أو في أغلبها أمازيغي ووضعت تلك الهمز دلالة على أصلهما حتى أننا وجدنا الدارجة السوفية تنطق أبراد التي هي من أصل أمازيغي "براد" وفي هذه الحالة يكون للكلمة نطقان أصلي وهو ثبوت الهمزة وفرعي وهو حذفها لكن هل هذا الحذف على إطلاقه أم إن هناك شرطا يقيده مثل الثقل كما هو ظاهر مع بعض الحروف والشيوع كما هو ظاهر في بعض الكلمات..
وهنا ندخل في حيز الإشكال وهو لماذا بعض "لمغنيين" يحذفونها إن سبقها متحرك ؟ويثبتونها حين يسبقها التقاء ساكنين ؟
وقد وجدنا بعض النصوص التي تلتزم بالأصل مثل گاف ول الصديق :
شفت امر ماه زاحلَ منه مضمون اعطيبِ
فنزيلَ راهِ ساحلَ أ مندور اشرگ إبيب
فهو هنا جاء ب أمندور على الأصل وقد يؤخذ عليه أيضا كلمة راه فهي أيضا ترد بلفظ أراه ومنها : أراه عثمان ابجاويهْ..
ومنه:
لاهِي نوكل غيب يالرب اسمحالي
"أززال" إبيب لعاد "أززالي"
ومنه:
أتاي إل مرفود ما يگلع للتدواخ
ما يسلك من لبرود أُلا يسلك من لمساخ
ووجدنا بعضهم خلط بين النهجين مثل نص ول الگصري :
بلنيار افبل راعيه يلعگل وذاك الخظت اعليه
لوديات أهو اعدك بيه يامس هذ يبري تجلاج
وامع گلت زاد اتل فيه املي لحباب و لنتاج
وألا مزال ابذو لوكار من ذاك أرگاج أرگاج
مزالو لبطاح ألحجار والگيع أُمزال أرگاج
لكن هذا النص مع التزام صاحبه بالأصل في كلمة أرگاج نجده قد أسقط الهمزة في كلمة أراعيه وهذا يحيلنا إلى أن هذا الإسقاط ظهر مع جيل الرواد
ومثل نص أحمدو بمب :
أتاي المنو كانت الناس الماضيه اتعدل أتاي بكياس
اشروطو اتعود اجماعتُ اجناس و اتعود امعدله اعليه عقده
و إعود قيامُ لابس الباس لتاي مصگول و الناس وحده
و إيجيب طابله زين امن النحاس "برادها" ديك ما فيه نفده..الخ
ومثل نص ول بنيوگ:
هون أرگاج اﻻ رگاج واحد وياي فوقْ انتاج
نص اعلى نص و ﻻ تحتاج متبخين افنفس المرگ
نفس اليم و نفس التجلاج أنفس الظحك أنفس البلگ
ما يگـدر رگـاج ابلرهاج يفصلنا من دون الملگَ
و افرمش فيام أدنداج ذاب الملگَ و البال اشگ
و افدقيقة بالبال اقبرت و سَـال الدمع و ﻻ فات ارگ
واهجر نص نصِ و ابحرت بالي فيَّ النصين ابگ
ففي هذا النص ورد لفظ أرگاج على الأصل وكذلك أدنداج وورد أيضا رگاج بدون همزة
وهناك من اسقطها مثل :
امنادم تي مندعر عن صاحب ل ما علْمُ
يعمل" براد" ينگعر گعرت "براد"إسلم
ومثل :
برادك رادك يلخُ بطروحُ
واطرح برادك لاتزهق روحُ
ومن خلال النصوص السابقة يتضح أن هذه الإشكالية قديمة ومتجددة وأنها في حاجة لأن تدرس خوفا من الميوعة وعدم ضبط المسألة
ومما سبق نستنتج مايلي:
1-أن هذه الظاهرة قديمة ومتجددة كما هو ملحوظ من نصوص ول الگصر و ول الصديق وغيرهم
2-أن الأصل ثبوت الهمزة في تلك الكلمات ومن جاء بالأصل خرج من بوتقة الخلاف.
3- أن من أسقط تلك الهمزة إن كان بسبب دخول بعض الحروف السابقة الذكر (الواو واللام والفاء والذال..) فهذا لايخرج عن الأصل لأن الأصل إسقاط الهمزة بعد هذه الحروف أما إن كان السبب هو الخوف من الوقوع في اتعكلي أو خوفا من زيادة متحرك في التافلويت ففي هذه الوضعية تختلف آراء النقاد وتتباين فمنهم من يعتبر أن الذي أسقط الهمزة حافظ على جذر الكلمة وأسقط حرفا هو في الأصل زائد وهذا مسموع في بعض اللجهات وفي بعض المناطق وظاهر في بعض النصوص وهو في الأصل تضييق واسع، أما البعض الآخر فيعتبره خطأ وخروج على القاعدة وصاحبه قد أخل بلغة بني حسان وحتى إن اعتبرها ضرورة فهي ضرورة قبيحة ودالة على ضعف في التركيب وينبغي أن تكتب وإن لم تقرأ للدلالة على أنها من أصل الكلمة وصاحبها واقع في اتعكلي لامحالة
4- أن هناك بعض الجهات تنطق تلك الهمزة اختلاسا وقد لا يتنبه إليها السامع نظرا لخفة اللهجة وميولها إلى البساطة
5- أن إثبات بعض تلك الهمز يعمد إليه المتعلمون إعمالا للقاعدة وقد يتكلفونه بينما البقية تنطق الكلمة على السليقة فتارة تثبت الهمزة وتارة تسقطها
6-أن كلا من الفريقين له حجته ومستنده.
وفي الختام نفتح النقاش للأدباء من أجل إثراء الموضوع.
بقلم : الداه شيخاتي محمدرارة