(سَرِقَة لغْــنَ)
حين نعرف لغن بأنه شعر أهل هذه الصحراء الناطق أهلها باللهجة الحسانية، وهي لغته المنطوق بها مع مراعاة الوزن والقافية المزدوجة، ناتج عن مقصد يسمى الموجب مبني على فكرة هي لبّه، خاضعا لأساليب البلاغة العربية مجنحا في فضاء الخيال الشعري مع مايتطلب ذلك من صور بلاغبة
نقول بأنه كغيره من الأشعار معرض للسرقة من كل نواحيه وقد شاهدنا في هذه الفترة الأخيرة من أساليب سرقته العجب العجاب،
وقد قصد هذا المقال أن يسلط الضوء عليها واصفا إياها ومشخصا، ومنبها ومحذرا منها ودارسا لحيثياتها ما أمكنه ذلك.
حين نعرف السرقة الشعرية بأنها "هي الإغارة على نصوص الغير جملة أو تجزئة أو أسلوبا أوفكرة مع إمكانية سترها بلبوس من الوزن أو اللغة جديد" سندرك بأن مايقوم به البعض لا يخرج عن كونه سرقة قبلنا ذلك أم أبيناه لكن حين ما نفكك هذا التعريف سنجد بأن السرقة تندرج في أربعة أصناف هي :
أ- سرقة النص جملة :وهذه من أقبح السرقات ولها دواع عدة منها:
1-طلب الشهرة : مثل سرقة بعض مدعي لغن نصوص غيرهم وتقديمها على الهواء سوءا عن طريق المسابقات أو البرامج الأدبية وهذه من السهل اكتشافها
3-تأليف الدواوين : وفي هذه الحالة يقوم الأبناء بسرقة بعض النصوص وعزوها لآبائهم معتمدين على عدم تدوين لغن واختلاف الرواة فيه مع مايمتلكه بعضهم من الأدلة التي لايمكن الوثوق بها وغياب أهل الاختصاص الذين يرجع إليهم في هذا النوع من المسائل وهذا من ما يصعب الحسم فيه.
وقد ساهم في وجود هذه الظاهرة تساهل أصحاب البرامج وبعض رواة لغن والمتطفلين عليه وأصحاب المآرب الخاصة في مسألة العزو حيث إنه من النادر وجود نص قديم إلا ويعزى لأكثر من واحد وهذه الحالة من أكبر المشاكل التي يعاني منها الموروث الحساني بصفة عامة ولغن بصفة خاصة
ب-سرقة جزء من النص: وهذا الجزء إما أن يكون؛
1- كلمة :وهي أقل ما يمكن أن تحصل منه السرقة وقد يستغرب البعض ذلك لأن اللغة عالم مشترك والكل له الحق في استخدام أي مفردة منها لكن ينبغي أن نفهم أن هناك نصوصا سر جمالها ومكمنُ إبداعها قد يكون في لفظة واحدة مثل كلمة "أَه" التي للتوجع في نص الطيب (أه اخلعن إنا للـ ـه) ..إلخ
جملة: حيث تشيع بعض الجمل في بعض النصوص نظرا لطرافتها وقلة استعمالها وجودة سبكها أو لغرابتها مثل: اتلاويح الخيل اتلاويح ، حراگ أگوم ، كافين من مركوب احمار ، تركاب لخراب اعل بابُ ، العدوان الثلاثيي ..إلخ وقد يدخل في هذا التضمين والأمثال الحسانية غير الشائعة فالمثل إذا لم يكن شائعا وأنت لم تنبه عليه لاشك سيخفى على الكثير وحينها تتم الإغارة عليه بأبسط مايكون ومثله التضمين لكن إن نُبه على المثل أو الكلام المضمن حينها فلا اشكالَ
3-تافلويت : من المعلوم أن هناك بعض التيفلواتن التي صارت من الصعب معرفة قائلها مثل سبحانك يالحي الجواد ، سبحانك يالحي المتين، علمن للاه المتين، علمن للاه التواب ..الخ ومع ذلك تبقى القاعدة كما هي وهي أن أي تافلويت قيلت قبلك وأخذتها فهي سرقة سواء بررت ذلك بقولك يقع الشاعر على الشاعر أو أنك لا تعرف هذا النص إلى غير ذلك من تلك المبررات غير المقنعة أصلا.
ج-سرقة الفكرة التي ينبني عليها النص: وهذه أم هذا الباب وهي لب السرقات وغاية كل سارق وعليها التنافس وبها ضاع جهد أكثر المبدعين ووصل بها البعض ذروة الإبداع ونال بها البعض الجوائز وآلاف التعليقات وقد تساهل بعض النقاد معها حتى إنني شاهدت مرة أحد النقاد يقول ما فحواه أن الفكرة إذا كان صاحبها قالها في عشر "تيفلواتن" مثلا وجاء آخر وقالها في أقل من ذلك تصير له وهذا مما يؤسف عليه وقد ساعد على هذا المنحى:
1- صعوبة الاكتشاف : لأنه من الصعب أن تكتشف أن هذه الفكرة مسروقة إذا لم تكن على اطلاع واسع "على لغن" القديم وبماينتج في الساحة الأدبية الراهنة ولك يد طولى في تحليل النصوص وتشريحها وعالما بخباياها.
2-الصياغة الوزنية : كأن تصيغ فكرة كانت تتحدث عن موضوع خاصة في بت خاص وروي محدد في موضوع عام وبت آخر وروي آخر وبذلك تظن أنك قد طمست على الأثر وتجاوزت شرطة النقد وحصلت على مرادك دون عناء لكن هيهات فرجال النقد لك بالمرصاد يلاحقون كل حرف من كل نص في كل نص على حد سواء لك أو لغيرك فلتتأمل
3-وجود الفكرة في نص ضعيف السبك: حينها يأخذها سارق يحسن الوزن والسبك ويكتب تحتها هذا "من ارشف الكرنة" أو نص قديم وقد يختلق له قصة تؤيد مبتغاه وهذا مما شاع وذاع.
4- عدم الوعي بخطورة هذا الفعل : فبعض لمغنيين وفي بعض الجهات لا داعي لذكرها لايرون في ذلك تحرجا وكثيرا ما نسمعهم يقولون سمعت هذا النص وأعجبني وقلت على منواله كذا.. أو يقول هذا النص "ايشابه النص گط گلت " مع كوني لم أطلع عليه من قبل ويضحك له محاوره ويقول له يقع الشاعر ..
د- سرقة الأسلوب: وهذه ظاهرة قديمة ومتجددة ومن الأساليب الشائعة
1-اللحن وقد عرف به سدوم ول انجرتو وتبعه في ذلك اولاد مانُو
2-المحص وقد عرف به باب ول هدار
3-الملخ لايعرف صاحبه
4-انزيز وقد عرف به المختار الميداح
5-اتفيتيت وقد عرف به بودرباله ول اباه
6-التوتي وقد اشتهر به ول يونس
7- ربطان الراص وقد عرف به أحمد بي
مع العلم أن هذه الأساليب وغيرها قد لاتكون حكرا على أحد لكن ينبغي لمن استهواه أحد منها أن يعرف بصاحبه ويضيف له الفضل في ذلك وقد استثنينا من هذه الأساليب أسلوب المگفي لكونه أسلوبا من أساليب اللهجة الحسانية
8-أسلوب أصل مانك افلان منت افلان الذي عرف به اشريف ول السيد
9-أسلوب الترجمة: فترجمة النصوص أيا كانت داخل في السرقة
10- أسلوب المحاكاة: كمحاكاة بعض الشعراء في بعض أساليبهم الذين اشتهرت عنهم وصارت علما عليهم
ومما سبق نستنتج أن سرقة لغن :
1- ظاهرة مشينة وفيها من الضرر بالغير ما يجعلها عملا متخلفا ومنافيا لقيم المدنية وحق الملكية الفكرية
2- أنها تكون في عالم النص شكلا ومضمونا
3- أنها تكون من فعل الشخص وتكون من ذويه وأقاربه
4- بعضها مما يعسر اكتشافه وبعضها يستحيل اكتشافه وبعضها ممكن الاكتشاف
5- أنها تكثر في بعض الجهات وتقل في بعضِِ ومرد ذا إلى أهمية لغن وكثرة المنشغلين به واعتباره مكسبا مع ما يصاحب ذلك من التكلف الذي هو رأس كل جريرة تصيب لغن.
ملاحظة :
"تركت التمثيل بالنصوص خوفا من التطويل ومراعاة لنفسيات أصحابها أو ذويهم "
بقلم: الداه شيخاتي محمدرارة