بيوتُ اللهِ.. بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء
قال الله سبحانه: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) (الحج -٤٠) وقال الله سبحانه: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والأبصار* لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يشاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور : ٣٦-٣٨)
يبيّن الله للناس بلسان رسوله عليه السلام، أنّ كل مكان يجتمع فيه أصحاب القلوب المؤمنة بالله وبرسله وبكتبه لإقامة الصلاة، يذكرون الله فيه، ويتدارسون رسالات الأنبياء، ويتلون الكتاب يوتدبرون في الآيات تعتبر بيوت الله، بغضّ النظر عن المسمّيات المختلفة، مساجد أو كنائس أو معابد أو كنيس، أو بيع، أو صوامع، طالما يجتمع الناس فيها لذكر الله، ويستزيدون من نور الله حكمته ليتبين لهم مراد الله لخير الانسان ومنفعته من الكتب المقدسة،
فكل ما ذكرته الآية الكريمة أعلاه جميعها بيوت لله لها حرمتها ولها احترامها، تنفيذاً لأمر الله وحكمه عند خلق الإنسان، أن يعبدوا الله الذي خلقهم وخلق السماوات والأرض، والذي جعل لهم الأرض ذلولاً يمشون في مناكبها، ويأكلون من نعم الله ، حيث قال الله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات-٥٦)،
إذن كل خلق الله من الجن والإنس مكلّفون بعبادة الله وحده لا شريك له، الذي أرسل رسله لهم، ليرشدوهم إلى طريق الحق الذي يرضي الله سبحانه، ليغفر لهم وينزّل عليهم بركاته ونعمه ورحمته، ولكل إنسان الحق المطلق والحرية في اختيار عقيدته دون وصاية من رسول، أو نبي أو عالم أو قس أو حبر أو شيخ دين كما قال سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) (الشورى-48) وقول الله سبحانه : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) (الأنعام -١٠٧).
فليستفق الإخوة المسلمون من أحلامهم وأوهامهم التي جعلتهم أوصياء على عباد الله، وليصحوا من سبات الروايات التي منحتهم حق الاستعلاء على الناس بإسلامهم، ألم يقرأوا قول الله سبحانه في القرآن الكريم: ( سَأَصرِفُ عَن آياتِيَ الَّذينَ يَتَكَبَّرونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنوا بِها وَإِن يَرَوا سَبيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذوهُ سَبيلًا وَإِن يَرَوا سَبيلَ الغَيِّ يَتَّخِذوهُ سَبيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُم كَذَّبوا بِآياتِنا وَكانوا عَنها غافِلينَ ) (الأعراف : 146)،
ألم يلتفتوا إلى حكم الله في قرآنه في محاسبة الناس جميعاً دون استثناء يوم القيامة، فلا ميزة لمسلم على غيره من أتباع الأديان الأخرى في الدنيا أو الآخرة، لأن الحكم لله وحدَه يحاسب الناس على أعمالهم وليس على انتماءاتهم لأديانهم، حيث يحذر الله الناس من تجاوز أحكامه، ليعيّنوا أنفسهم أوصياء على عبادة غيرهم حيث يقول سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (الحج -١٧)
فحساب الناس جميعا دون استثناء عند الله يوم الحساب فلا يغترّ المسلم بإسلامه، ولا يسمح للشيطان أن يغريه بأوهامه، حين يتصوّر المسلم بأنه أصبح مميّزاً عن غيره من اتباع العقائد الأخرى، وليعلمْ أنَّ حكم الله كما ذكرت الآية الكريمة أعلاه، لن يستثني المسلمين من المحاسبة على أعمالهم وكل الناس سيخضعون للمساءلة: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (فصلت – ٤٤)
فإذا كان المسلمون يتعالون على أشقائهم من المنتمين لدين الإسلام ويعتبرون أنفسهم الفئة الناجية وغيرهم من المسلمين من الفئات الضالة فمن أوحى لهم ذلك؟! وهل أتاهم خبر من الله بواسطة ملائكته يبشّرهم بأنهم من الفئة الناجية؟!لأن نتائج الأحكام الآلهية تصدر يوم القيامة حتى الملائكة والرسل لايعلمون الغيب
فمن يا ترى أنبأ الذين يختالون على الناس زهوا أنهم من الفئة الناجية وماذا سيكون موقفهم يوم الحساب عندما يصدر حكم الله عليهم بأنهم من الفئة الباغية؟ يسفكون الدماء ويقتلون الأبرياء ويخرجون الناس من أوطانهم ويرتكبون المعاصي والجرائم والله سبحانه بين للناس في قرآنه ويحذرهم الله سبحانه بقوله (وَالَّذينَ يَنقُضونَ عَهدَ اللَّـهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيُفسِدونَ فِي الأَرضِ أُولـئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سوءُ الدّارِ) (الرعد: 25)، وسيكون جزاؤهم جهنم وبئس المصير!
فلينظروا بتدبر في قول الله مخاطبا رسوله، حيث يأمره سبحانه بأن يعرّف الناس بنفسه وضعفه وعدم قدرته على معرفة الغيب، بقول الله تعالى الذي يلجم الأفواه التي تجرّأت عليه وافترت في رواياتها بعلم الرسول بالغيب: (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف -١٨٨).
فلينظروا إلى قول الرسول واعترافه بأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فكيف أتباع الرسول يفترون عليه بما يؤلّفون على لسانه من روايات منسوبة اليه بأنه يعلم الغيب وهو الذي منحه الله الشفاعة وأهل الزور ومؤلفي الروايات يضلون الناس ويسوقونهم إلى طريق يأخذهم إلى نار الجحيم، ويظنون أنفسهم قد ميّزهم الله عن غيرهم من المسلمين، وفضّلهم على غيرهم من اتباع الرسل عليهم السلام، ليتعالوا على الناس ويختطفوا حق الله في إصدار أحكامه على عباده، فويل لهم مما كسبت أيديهم، وويل لهم بما كانوا يكذبون ويزوّرون ويحرّفون.
وفي هذا السياق أريد أن أذكر أولئك الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم بقوله سبحانه : (قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ ءَامَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلْإِيمَٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَٰلِكُمْ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات -١٤)، لقد صدق الله علي الذين اتخذوا الإسلام شعاراً، وصدّقوا الروايات قولاً وعملاً، وتكبروا على آيات الله واستبدلوها بمؤلفات بشرية اختزلوا بها أركان الإسلام إلى خمس، وهجروا شرعة الله فيما وضعها من حدود ومحرمات وقصاص للذين يخالفون شرعة الله،
حيث رفعت الروايات التكاليف عن المسلمين من الالتزام بقواعد العلاقات الإنسانية، وأسس التعامل بالرحمة والعدل والإحسان ونشر السلام، وتحريم العدوان، والتعارف بينهم، ليتحقق التعاون في المجتمعات بين الناس، وليتحقق الاستقرار وينتشر الأمان فتم التعتيم بالروايات على التكاليف الإلهية للإنسان، ليسوقوه نحو غضب الله وعقابه يوم الحساب،
ولمخاطبة الله للمؤمنين في القرآن دليل على صدقهم مع الله والتزاماً بميثاقه والتقيد بتطبيق شرعته ومنهاجه، أما المسلمون فلم يحترموا ميثاق الله في كتابه، لذلك تراهم بعد وفاة الرسول عليهم السلام رجعوا إلى الجاهلية، وبدأوا يجزون أعناق إخوانهم في الدين، وشركائهم في انتصارات رسالة الإسلام لأنهم أخلّوا بعهدِ الله
ولذلك فلن تجحد نصا في القرآن يخاطب الله المسلمين كقوله (ياأيها المسلمون) كما خاطب الله المؤمنين في قوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا ) لا والله سبحانه يعلم أن المؤمن ارتضى باتباع كتاب الله وتحل تكاليف طاعته وتبيق شرعته ومنهاجه .
وليتذكر المسلمون بأنهم سيحاسبون يوم القيامة على أعمالهم، وما ارتكبوه من جرائم ومعاص تجاه ربهم، فالويل لمن صدق أوهام الشيطان واتّبع ما زيّن له من سوء أعماله، وعلى الإنسان أن يتحمل نتيجة أفعاله وما سيحكم به الله عليه يوم القيامة