حلق اللحية مخالف لصريح السنة والقواعد الأصولية . بقلم الأستاذ الدكتور: محمد الصوفي محمد الأمين

أحد, 14/04/2024 - 21:32

ليس من شيمي الرد لكن قد يتحتم لقوله تعالى: ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ) 

ولكن ماكتبه زميلى وصديقي العزيز الدكتور الشيخ ولد الزين حول حلق اللحية من المخالفة الصريحة للسنة الصحيحة والقواعد الأصولية والذى أرجو منه ان يسحبه جعلنى أكتب هذا المقال 

ختلاف الفقهاء وأنواعه

يرجع اختلاف الفقهاء إلى الأسباب التالية:

أولا: ورود النص، هل ورد النص إلى الإمام أم لا وفي حالة وروده وصحته عنده هل وضع شرطا زائدا على الصحة كاشتراط الإمام مالك –رحمه الله- في خبر الآحاد بأن يوافق عمل أهل المدينة.

ثانيا: فهم النصوص الشرعية، فقد يكون النص يحمل أكثر من دلالة وله معاني مثل القرء هل هو الطهر كما ذهب الإمام مالك وغيره أم هو الحيض كما ذهب بعض الأئمة رحمهم الله.

ثالثا: الخلاف الناتج عن المقرأ، مثل آية الوضوء حيث قرئت بقراءات سبعية بالفتح والكسر مثل "وامسحوا برؤوسكم" وهل الواو عطف حقيقي أو عطف على المحل.

رابعا: الخلاف الناتج عن القواعد الأصولية، كقراءة الفاتحة التي يراها الإمام مالك وغيره فرض على الإمام والمنفرد، والأحاديث الواردة بوجوبها كثيرة، ولا يرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى وجوبها بحجة أن الزيادة على النص نسخ مستدلا بقوله تعالى: "فاقرؤوا ما تيسر من القرءان".

خامسا: الاختلاف الناتج عن تعارض النصوص ظاهرا أو كيفية الترجيح، علما بأن نصوص الوحي لا تعارض بينها لكن العقل البشري بعض الأحيان يعجز عن الوصول إليها لذا ذهب الأئمة إلى عوامل الترجيح والتي من بينها اللغة العربية مثال ذلك نكاح المحرم، فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب له"

وما رواه البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أمنا ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف"

حيث حلت اللغة هذا الإشكال وهو أنه صلى الله عليه وسلم تزوج أمنا ميمونة وهو في الأشهر الحرم، ومنه قول حسان بن ثابت في رثاء عثمان بن عفان رضي الله عنهما:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما    ودعا فلم أر مثله مخذولا
ومن المعلوم أن عثمان رضي الله عنه لم يقتل محرما بحج ولا عمرة وإنما قتل بداره ظلما بالمدينة المنورة.

سادسا: الاختلاف الناتج عن حروف المعاني، مثاله: هل الباء للإلصاق أو للتبعيض أي هل لا بد من مسح الرأس كله كما ذهب الإمام مالك رحمه الله مستدلا بحديث عبد الله بن عاصم فأقبل بهما وأدبر حيث أنه صلى الله عليه وسلم مسح كل رأسه بيديه
أو الباء للتبعيض كما ذهب الإمام الشافعي رحمه الله أن مسح الرأس يكفي منه المسح على شعرات مستدلا بحديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على شعرات من رأسه فلما قيل له لعله قبل نزول آية المائدة قال: وهل أسلمت إلا بعد آية المائدة.

سابعا: الاختلاف الناتج عن الاجتهاد حيث وجدت مسائل لم يرد فيها نص كاختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في ميراث الجد مع الأخوة حيث ذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأمنا عائشة وغيرهما إلى أن الجد يحجب الأخوة وإليه ذهب الإمام أبو حنيفة أو يرثون معه وإليه ذهب علي وزيد بن ثابت وغيرهما وإليه ذهب الإمام مالك وباقي الأئمة رحمهم الله.

عزيزي القارئ: 

أسباب الخلاف تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الأسباب الجوهرية مثل الأسباب السابقة وخاصة فهم النص الذي كان لا بد منه وقد أثرى الفقه الإسلامي وعلمنا منه توجيه القراءات ومعنى الشريعة الإسلامية 

القسم الثاني: ما لم يرد فيه نص واجتهد فيه علماء الشريعة الذين أعطاهم الله حق الاستنباط واستخراج الأحكام وجعل آراءهم حجة بدليل قوله تعالى: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" والاستنباط يختص به العلماء لتمكنهم من تقنياته المعروفة بمسالك العلة والسبر والتقسيم.
فلو اجتهد العلماء في مسألة لم يرد فيها نص وذهب البعض إلى الحظر والبعض إلى الإباحة فمن أخذ بأحد القولين فقد نجا، لأنه اختلاف مشروع وحيث أن كلا منهما وصله اجتهاده إلى تلك النتيجة.

القسم الثالث –وهو المرفوض-: وهو المخالف لنصوص الوحي الثابتة وإجماع الأمة مثل ما حكاه بعض متأخري الأزاهرة من الخلاف في حلق اللحى وإباحة المزامير وإباحة الربا وتبرير كل ما يقوم به الحكام المستبدون .. الخ محاباة للحكام وإرضاء للغرب. 

وقبل الدخول في الحديث عن هذا النوع أقول أن الغرب يقسمنا إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: المتنورون وهم الذين يأخذون بأطروحاته: كحلق اللحى ومصافحة الأجنبية وتأخير الصلاة في أوقات الندوات والجلوس على مائدة فيها الخمر أوقات تناول الطعام وعدم الانسحاب وإن لم يشربوه مع أنه ثبت في الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا بحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلس على مائدة تدار عليها الخمر" حيث أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلم الانسحاب من مائدة عليها الخمر.

القسم الثاني: المحافظون وهم الذين ورثوا الإسلام عن آبائهم أو المسلمون بالجنسية وهم الذين يحافظون على ما وجدوا عليه آباءهم من الإسلام ولا يطالبون بتطبيق الشريعة ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر علما بأن تطبيق الشريعة ليس الحدود فقط كما يذهب إليه الغرب..

القسم الثالث: الأصوليون وهم الذين يرفضون أطروحة الغرب ولا يقبلون إلا الإسلام كاملا وفي المفاوضات لا يتنازلون وعندما تحين الصلاة يخرجون من الاجتماعات إليها .. 

بينما نحن المسلمين لا نعترف بهذه التقسيمات ولا نعرفها والذي نعرفه أننا أمة واحدة سمانا الله المسلمين ونعتز ونفتخر بهذا الاسم، قال تعالى: "هو اجتباكم وسماكم المسلمين " وكل من قال لا إله إلا الله فهو مسلم.

ونرجع إلى القسم الثالث حول ما حكاه بعض المتأخرين من الأزاهرة في الخلاف في حلق اللحى، فأقول إن حلق اللحى محرم بالكتاب والسنة والإجماع واستنبط العلماء تحريمه من القرءان الكريم من قوله تعالى: "لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي"

ومن السنة المطهرة قوله صلى الله عليه وسلم وأمره بإعفائها ونهيه عن حلقها، فقد ثبت في الحديث الصحيح  أنه قال: "خالفوا المشركين وووفروا اللحى واحفوا الشوارب" وفي رواية : "أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى" والحديث أخرجه البخاري في كتاب اللباس ومسلم في كتاب الطهارة والترمذي في كتاب الأدب والنسائي في كتاب الطهارة وكتاب الزينة والإمام أحمد في المسند.

كما ثبت أيضا في الحديث الصحيح أنه كث اللحية وتواتر الوصافون له بأنها كانت تملأ صدره وكان الناس في الصلاة يعرفون قراءته سرا بتحرك لحيته

وكذلك ثبت في صفة الصحابة وخاصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الخلفاء الذين أمرنا باتباعهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ..."

يحتج المحللون لحلقها بأن عفا في اللغة العربية من باب ترك وبقول لبيد: عفت الديار محلها فمقامها.. جاهلين أو متجاهلين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح والأمة الإسلامية طيلة أربعة عشر قرنا من الزمن قبل أن يختلطوا بالكفار ويقلدونهم في كل شيء وهذا أيضا من إعجاز السنة المطهرة فقد ثبت في الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه، قال: آ اليهود والنصارى؟ قال : فمن؟"

إن هؤلاء المحللين جاهلون لأبسط القواعد الأصولية وهي أن اللفظ يحمل أولا على الشرعي حيث أن ألفاظ الشريعة مقدمة على الألفاظ اللغوية، حيث أن الآمر وهو الشارع لفظه مقدم على العرف وعلى اللغة. 

يقول سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم في مراقي السعود:
واللفظ محمول على الشرعي        إن لم يكن فمطلق العرفي

وخلاصة القول أن النوع الأول والثاني مقبولان والثالث مرفوض ويضرب به جدار الحائط لمخالفته لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم الدكتور محمد الصوفي محمد لأمين