من وحي التراويح
سورة الأنبياء روعة
الاسلوب التناظري والسرد القصصي.
كانت سورة الأنبياء تحدث وقعا خاصا للمتلقي ،وهو يقرأ، أويستمع ،حيث المحاور ،والمضامين ،تتساوق في تجانس بديع، غاية الخطاب القرٱني فيها ، ترسيخ العقيدة
في شقيها النظري والعملي
توحيد الألوهية ،توحيد الربوبية، فقد قامت السورة في مستهلها، بشد الانتباه إلى الموعد المحتوم
الموت والحساب
(اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ماياتيهم من ذكر من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ..)
ليأتي الشق الثاني وهو: التشكيك ،من الغفلة والمعرضين ،فيمن جاء بالقرٱن ونزل القرٱن عليه محمد صلى الله عليه وسلم (هل هذا إلا بشر مثلكم أفتاتون السحر وأنتم تبصرون)ويأتي التأكيد من الباري جل وعلا على أنه وحده (يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم)
ويذكر القرٱن كل الحكايات عن الكفار من قوله تعالى (قالوا أضغاث أحلام بل افتريه بل هو شاعر.....)إلى أن يقول أن الكفار تكررت أقاويلهم ودعاويهم حتى وصلوا إلى المحطة الأولى من محطات الوعد (.... فما زالت تلك دعوىهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين)
ثم يبدأيؤكد أن هذا الكون وأهم مخلوقاته السماء والأرض لم يخلقا للعب ولا للهو، بل خلقا لغايةمهمة ألا وهي: وجود -الثقلين الإنس والجن -ووجو دهما غايته تحقيق العبادة والإستخلاف والعمارة في الأرض، (إني جاعل في الأرض خليفة )
(هو انشاكم من الارض واستعمركم فيها)
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذي خلق الموت والحياه ليبلوكم أيكم احسن عملا...)ثم بدأ القرٱن يحاور ويناظر،مخبرا حينا ومحاججا أحايين أخرى، مستهلا خطابه التناظري بقوله تعالى ((.. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ...)
مخبرا عن الملائكة وصفاتهم (... يسبحون اليل والنهار لايفترون....)وباستفهامات إنكاريه وأقيسة منطقية غير قابلة للرد ،مفحمة في مبناها ومعناها..، (أم اتخذوا ٱلهة من الٱرض هم ينشرون لوكان فيهما ٱلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) مستخدما هذا القياس المنطقي العالي في علم المناظرة والإفحام ((لوكان فيهما ٱلهة إلا الله لفسدتا)) وهو المسمى في علم الكلام و المناظرة بدليل -التمانع-.
ويطالبهم بالبرهان والدليل إن كانوا صادقين ثم يتحداهم بإنه سيخبرهم بالذين معه والذين قبله ولعل عقولهم تتوقف في السؤال عن الحاضر والماضي ، (قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ..) مؤكدا أن كل من أرسل قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم غايتهم ور سالتهم التي جاءو بها هي توحيد الله في الأرض وإفراده بالعبودية وحده، (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا إنا فاعبدون...)
ثم بدأت السورة تظهر عن مكنون علمي وذالك بإخبار عن نشاة الكون وكيف بدأ؟ بعد استفهام تعجيزي مسكت ( أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون)
ثم ذكرت تفاصيل هذا الكون والغاية منه ،بعد الفتق الكبير الذي كان بداية الكون.
((وجعلنافي الارض رواسي أن تميد بهم بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون....)) بعد هذا البيان الكبير المفحم والمقنع يخبر
جل جلاله رسوله ،أنه لا خلود، مطمئنا إياه و معيدا له ولأمته من- الثقلين- أن الموت كما كتبت على الذين من قبلكم مكتوبة عليكم
في أسلوب راقي يأسر النفس ويهئ القلب ويواسيه(وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين مت فهم الخالدون)
ويتواصل الحوار والإخبار والمنن الإلهية في هذه السورة (قل من يكلأكم باليل والنهار من الرحمن . .
ومن الإخبار المعجز الذي تحداهم به في بدايه السورة
-هذا ذكر من معي وذكر من قبلي - إخباره عن قوم ابراهيم وتكسريه للأصنام وعقوبة النمرود له بالنار والسلامة منها
ولقد ٱتينا ابراهيم رشده من قبل إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ......) (قلنا يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم...)ثم الإخبار عن لوط وما عاناه مع قومه .. ولعل الربط بين ابراهيم ولوطا لأنهم في حقبة زمنية وحيز جغرافي واحد وللقرابة النسبية بينهما،ثم نوح، وأخبرت السورة عنه وعن عائلته، ولم تغفل أن نداءه كان قبل ابراهيم ولوطا (ونوحا إذ نادى من قبل )والمشترك بين لوط ونوح سوء الشريك -الزوجة - ثم داوود وسليمان وما من الله عليهم به من ملك ثم أيوب ومحنته ومرضه وفراقه للأهل ثم يونس ومحنته في الظلمات ،وزكرياء وحاجته في للولد ،ثم تلميح أقرب إلى التصريح لمريم وابنها(والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها ٱية للعالمين ...،
والقواسم المشتركة واحدة بين المذكورين في هذه السورة ،محنة وابتلاء ودعاء واستغاثة- ملهوف- ثم استجابة الدعاء من رب رؤوف، يقبل التوبة ،ويجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء ..،
لتعود السورة بنا كما بدات بالتذكير بالوعد ونهاية الكون ،
وكيف حال الكافرين؟،
لكن هذه المرة ،بعد الحسرة والندم والاعتراف بالغفلة.(واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصارالذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة... )
،وكأنها تعود بنا إلى بداية السورة (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)،والمشترك بين -الناس -في الأولى والكفار في الٱيات الأخيره هي الغفلة
لعله حكم عليهم ،اوعلى بعضهم بالكفر بسب الممانعة والعناد ،بعدالحوار والمناظرة التي سطرهما القرٱن الكريم في السورة،
ثم جاءت الٱيات المتأخرة إعجازا بلاغيا رائعا ، فلما كانت السورة في بدايتها تعلم بنشأة الكون وتفصل أدوار بعض مخلوقاته جاءت الٱيات المتأخرة ،تصف كيف سينتهي؟
(...يوم نطو السماء كطي السجل للكتاب كما بدأنا أول خلق ....) ثم تكتب الخلاصه الرائعة في السورة (. ..إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ......قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل انتم مسلمون...)؟
والملاحظ في هذا الحوار العلمي الراقي الذي قدمته سورة الأنبياء، أن الخصم مقتنع كما أشارت الٱيات لكنه معاند ومعرض ومكابر ..
(...وهم في غفلة معرضون)
(...ولكم الويل مما تصفون )
فسبحان الله رب العرش عما يصفون)
(....وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يؤمنون)؟
(...وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن ٱياتها معرضون)
(...قل من يكلأكم باليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون)
قل إنما يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فهل انتم مسلمون)؟
ومن سلاسة وروعة تناسقه
وتساوق جمله وتناسب الفاظه
هذه الٱيات
قل رب يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم
جوابا لتكذ يبهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
ثم يعود المعنى في سياق ٱخر وهو يؤكد صدق ما جاء به صلى الله عليه وسلم في ختام السورة
وإن أدري أقريب ما تو عدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون
بقلم مدير المساعد للمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية الدكتور : سيدي محمد ولد العربي