في إطار الاهتمام العالمي بجائحة كورونا وتأثيراتها المستقبلية وتداعياتها الإنسانية، أجرت صحيفة (السفير) الورقية في عددها الصادر اليوم الاثنين 13/04/2020، مقابلة مع الدكتور محمد سالم ولد الصوفي الوزير المفوض بجامعة الدول العربية والمدير العام للمعهد الثقافي الإفريقي العربي في باماكو بمالي .
وفيما يلي نص الحوار:
بم تفسرون ظاهرة الارتباك الشديد التي طبعت تعامل غالبية البلدان والشعوب مع هذه الجائحة؟
لعل ذلك يعود ، في بعضه على الأقل، إلى هول الصدمة من سرعة وقوة الانتشار غير المسبوقتين فضلا عما يمكن اعتباره إخفاقا إعلاميا بخصوص التنبيه في الوقت المناسب على خطورة الجائحة ذلك انه لم يستطع ومنذ البداية أن ينقل المعطيات الأولية لها ولا أن يواكبها بالتحليل الكافي للفت الانتباه إلى طبيعتها الكارثية خاصة أنها فاجأت العالم على حين غرة وهو غير مستعد على الإطلاق لهذا المستوى من الفتك وسرعة الإنتشار والخطورة، ليس فقط بالنسبة للمصابين بل في ما يتعلق أيضا بحياة وواقع الأصحاء في العالم بأسره الذين أصبحوا يتوقعون اكتساح المرض لهم في أية لحظة؟
ولأن المعالجة الإعلامية في اغلب دول العالم كما أسلفت لم تكن تتناسب مع حجم الجائحة من حيث الدقة و الوضوح واليقين فأعتقد أن ذلك من بين العوامل التي حرمت الكثيرين من الانتباه إلى أبعاد و خطورة الجائحة على نحو ضيًع فرصة ثمينة للإستعداد والحذر قبل فوات الأوان، و هذا الذي جعل منظومات صحية متقدمة في العالم ـ أو هكذا كنا نظنها من قبل ـ ترتبك بسرعة كبيرة وينهار بعضها أمام اجتياح المرض واتساعه، وبالتالي يمكنني القول أن الجميع استقبل كورونا بنوع من الاستخفاف أو اللامبالاة وعدم الاهتمام ولم ينتبه الجميع حتى أصبح كورنا هو حديث العالم بعد أن فرض نفسه على من استخفوا بقدرته الفائقة على الفتك والانتشار.
كيف تقرؤون دلالات وسياقات النتائج الكارثية لهذه الجائحة على دول متقدمة؟
قد يكون من ابرز الأمور الدالة في هذا السياق أن الفيروس تحرك كما لو كان يقصد أن يهاجم ابرز المناطق تطورا في المنظومات الصحية وأكثرها عدة ليكشف عن ضعف واختلال لم يكونا متوقعين.
كما بين هذا الوباء أن التهديد الأخطر للجنس البشري قد لا يكون عبر الحروب آو عبر غزو خارجي من مخلوقات عملاقة متفوقة على جنسنا البشري آو حضارتنا بقدر ما يمكن أن يكون من فيروسات مجهرية تصيب الإنسان في مقتل وتطرح في لحظة تشفّ منه كل إمكانات تقدم حضارته أمام تحدي قدرته على إنقاذ نفسه من خطر مباغت.
كيف تنظرون إلى الأبعاد المستقبلية لجائحة كورونا على العالم، وهل ستنتهي كما انتهت اوبئة مماثلة كايبولا التي كان له ضحايا بالآلاف؟
يكاد يجمع المراقبون على أن عالم ما بعد كورونا سيكون مختلفا بشكل جذري عن العالم ما قبل ظهور الفيروس، وذلك لما أظهره من تأثير عميق على حياة الناس ومواقف الدول والحكومات والشعوب، ورغم أن الوقت مازال مبكرا للأمام بكنه مجمل التغيرات والانعكاسات فإن عددا كبيرا من المفكرين والكتاب تناولوا بإسهاب ما يعتبرونه منعطفا كونيا جديدا على خلفية ما وقع وينتظر الكثيرون أن يتجه الإنسان إلى إعادة صياغة التكنولوجيا ومجمل صيغ وأساليب التنظيم والعمل والتربية والأمن والصحة وذلك على ضوء ما كشفه كورونا من قصور مريع في جوانب عدة من تلك المنظومات جعلتها غير مؤهلة مطلقا للتصدي له ناهيك عن تهديد مستقبلي يفوقه،
هل ترون من خلال متابعتكم إمكانية أن يتجاوز العالم هذا الوباء عبر التمكن من الحصول على لقاح لهذا الفيروس؟
طبعا المسالة مسالة وقت فقط فهناك تنافس وسباق كبيرين بين المختبرات في الغرب وفي اليابان واستراليا وكوريا الجنوبية للفوز بشرف انجاز أول لقاح مضاد للفيروس، وهو جهد ينتظره العالم بفارغ صبر ويأمل الجميع أن يكلل بالنجاح بعد أن تنضج أكثر المقاربات التي تم توظيفها على عجل لمواجهة الفيروس.
و ستكون التكلفة باهظة قبل الحصول على اللقاح المنشود و لن تقتصر التكاليف فقط على الموارد الضخمة المرصودة للتجارب والبحوث الساعية إلي تضيق هامش الخطأ وتقليل نسب الإخفاقات كما ستكون مكلفة في تعداد الأرواح التي سيحصدها الفيروس قبل أن يتوفر اللقاح في الأسواق ويتاح للجميع.
كيف تقيمون الجهود المبذولة في موريتانيا لمجابهة وباء كورونا ؟
عندما نكون بصدد تقييم المقاربة التي اعتمدتها موريتانيا للتعامل مع جائحة كورونا ، لا يمكن أن نقارن إمكانات البلد مع إمكانات بلدان أخرى كثيرة. ولكن يبدو أن موريتانيا عوضت النقص الحاد في البنية التحتية و المصادر البشرية و التجهيزات باعتماد الواقعية و المصارحة و نزول السلطات إلى الشارع وإشراك السكان في عملية المواجهة فأعطى ذلك النتائج الايجابية الملاحظة و لتوضيح الفكرة أكثر نشبِّه انتشار كورونا بحرب العصابات التي لا تجدي معها الأساليب التقليدية للجيوش النظامية رغم عددها و عُدَّتها . فمواجهة العصابات تحتاج للاهتداء،إن صح التعبير،إلى طريقة التعامل الخاصة المناسبة التي تختلف من وضعية إلى أخرى.و لعل موريتانيا قد حالفها الحظ في ذلك لحد الآن. و لا ننسى ما يجري الحديث عنه هنا و هناك من دور للمناخ في حالة موريتانيا مع التذكير بعدم إعلان رأي علمي يؤكد ذلك.
إلى أي مدى يمكن للبشرية أن تستخلص دروسا وعبر من هذه الجائحة؟
كما هو معلوم ،التراكم المعرفي يأتي عبر التجارب وأشك أن فيروس كورونا من أشد التجارب البشرية قسوة وشدة وقد عكست مواجهته وهمَ المبالغة في التطور البشري في المجالات المختلفة وربما يتمخض عنه اهتزاز في ثقة الإنسان في ما طوره من علم وما اخترعه من تكنولوجيا، وهو ما سيقتضي منه العمل على توجيه البحث نحو عوالم مجهرية أبانت أن نقص معرفة الإنسان بها كان مريعا، وربما افرز التركيز على مجالات غير تقليدية آفاقا أفضل للبشرية من حصر واقتصار التركيز والاهتمام فقط بالتكنولوجيا الموجهة إلى مجالات كتطوير السلاح وغزو الفضاء في الذي مازالت فيه عوالم مجهولة على الأرض هي التي انطلق منها مارد كورونا.
أجرى المقابلة: سيدي محمد صمب باي
نقلا عن موقع السفير