ظفِرَتْ يدِي -إِذْ أنا على نجاد تندوجة الوسيمة-، بكتاب نبيلِ القَصْد، متدفقٍ أنيقٍ ثمين، "لا يُشتكَى قِصرٌ منه ولا طولُ".
أَصاب المَحَزّ، وطبَّق المَفصِل، ولم يدَع في القوس مَنزَعا.. ولم يُبق حاجة في نفْس يعقوب.
أَلا وهو كتاب "الرَّوضةالنديَّة مِن معاني القصيدة المولديَّة"، مِن قلم الأَديب البارع، والكاتب المُفتَنّ، والشاعر المُجوِّد، واللُّغويِّ الضَّليع، والعالم المحقِّق، الأستاذُ أَبو الشيخ إِسمعيلُ بنُ محمد يحيى أشفقنا الله -أَمتع اللهُ به-..
تلقَّيتُ هذا السِّفرَ الجليل، وتَلوتُه من أوَّله إِلى ءاخره.. ولمَّا انتهيتُ منه، نشِقتُ نفَسَ السَّعادة، وأَيقنتُ "أَنَّ في السُّويداء رجالا"، وذكَرتُ المثَل: "كم في الزَّوايا خَبايا".. ولا أَسْتكثرُ هذا الدُّرّ على ذلك البحر..
وحسْبي من وصْف هذا الكتاب، الإِحالةُ عليه، فهو كتابٌ يُوصي بنفسه، ويصفُ ذاتَه، و"الكتاب يُعرف من عُنوانه"،
و"الجوادُ عيْنُه فُرارُه"، و"إِيضاحُ الواضح مِن الفاضح"..!
وما قَولِي في كتاب نظَمَ بيْن العقل والنقل، والرِّواية والفهم، وقرَن إِلى أَصالة الرَّأْي نصاعةَ البُرهان، بِطريقةٍ علميَّة فذّة، اعْتادها هذا الجِهبِذُ الكبيرُ في تَحقيقاته البديعَة..
وبِرَغم أَنَّ ناظمَ المولديَّة -هذِه- لسانُ إِبداع في الأوَّلين والآخرين، كُتب الكثيرُ حوْل ديوانه قديماً وحدِيثا، فإنَّني لم أَجد مع ذلك كتاباً فاقهُ في موضُوعه..!
دعْنِي مِن رَصانة أُسلوبه، وطَلاوته وانسِجامه، وتأثيرِه في النّفْس، وقالَبِه اللُّغويِّ النَّفِيس، فإِنَّ فيه من نُخَب الفوائد، ما لا تَجده إلا بيْن تَضاعيفه، فكم فهِمنا من حَقائق، وتَذوَّقنا من رَقائق..
وذلك لِأَنَّ صاحبَه شخصيَّة صوفيَّة مميَّزة، فهو إِلى ما أُوتيَه مِن مَلَكة التَّحقيق، وسَعة المعارف، وشُفوف الحِسّ، مُتذوِّقٌ بصير، وصوفيٌّ عَميق،
قسَم اللهُ له مِن اكْتِناه أَسرار الرُّموز القُدسيّة، واستنباط الإِشارات السَّامية، ما لم يَقسِمْه إِلا لكِبار الأئمّة، و"مَن ذاق عرَف"، و"من لم يذُق لم يعرِف"، و"الذَّوقُ شيءٌ ليس في الكتُب"..!
وليس هذا العملُ القيِّمُ الكريم، بأَوّل ماجادت به تلك القريحة الوقَّادة، والذَّخيرة الفيَّاضة، فقد تَقدَّمَه غيرُه، وسيتْلُوه إِن شاء اللهُ سِواه..
وكأَنَّ هذا الكتاب إِنَّما جاء يَفتحُ القُلوبَ، ويُنير البصائر، لفكرة الحُبِّ الإِلهيِّ الأَسمَى، حبِّ الله المُوصِل إِلى قُربه، المُستَدعِي لِرِضاهُ وحُبِّه..
فلِمثل هذا فلْيعمل الباحثون والمُفكِّرون، -إِن كانوا ممَّن يُطيق هذهِ الغايةَ البعيدَة-.
وعادةُ السَّيف أَن يَزهُو بِجوْهرِهِ وليس يعملُ إِلا في يدىْ بطلِ
والله تعالى ذو الفضل العظيم، "يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب"، نسأله عزّ الدنيا والآخرة، عزّ الدنيا بالإيمان والمعرفة، وعزّ الآخرة باللِّقاء والمشاهدة..
إِنَّه جابرُ المُنكسرين
الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ سيديا بن الشيخ عبد الرحمن (الحكومة) ابن الشيخ سيديا