ألقى الشيخ محمد الحسن ولد الددو، رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا، يوم الجمعة الماضي خطبة قوية في أحد مساجد العاصمة نواكشوط، أثار بها غضب السلطات الموريتانية التي بدأت اليوم الاثنين إجراءات لإغلاق المركز الذي يرأسه ولد الددو.
خطبةُ ولد الدد نُشرت في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحملت ردوداً قوية على تصريحات الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز نهاية الأسبوع الماضي التي هاجم فيها جماعات الإسلام السياسي وقال إن إسرائيل « أكثر رحمة » منها.
الددو خصص جل خطبته للتحذير من « الفتن المضلة » وقال إن منها « ما يشوه الحقائق، ويجعل الإنسان يرى الأصدقاء أعداء والأعداء أصدقاء »، واصفاً ذلك بأنه من « بُنيّات الطريق » التي تجعل « أهل الضلال يلتبس عليهم الحق بالباطل ».
واعتبر ولد الددو أن الزمن الذي نعيش فيه الآن هو « زمان فتن »، مشيراً إلى أن « سبب الفتن التي سحقت البلدان العربية هو تعطيل حكم الله، واستبداد أهل الظلم ومصادرة حقوق الناس ».
وأضاف أن هذا الزمن « فيه قوم غلبوا على السلطان بقوتهم أو بسلاحهم أو بغير ذلك من الوسائل، وهؤلاء لا يمثلون خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقلاء جميعاً وأهل الصدق، فهم يعلمون جميعاً أنهم على غير المنهج النبوي ».
وأوضح في السياق ذاته أن « الحكم الجبري الذي نحن فيه الآن لم يحافظ على شريعة الإسلام وعقيدته ولم يحافظ على وحدة كلمة المسلمين، وإنما تفرق فيه المسلمون دولاً، ولم يعد الولاء لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذه الأمة شغلهم الشاغل، بل أصبح كل واحد منهم إنما يهتم بتقوية سلطانه والثبات على كرسي حكمه ».
ورفض ولد الددو أن يتم تحميل مسؤولية دمار بعض الدول العربية لجماعات الإسلام السياسي، وقال: « من ظن أن من ينادون بإعلاء كلمة الله بكل سلمية، وضمن حقوق قانونية مشروعة لا ينكرها إنس ولا جن، من ظن أن هذه الكلمة هي سلاح وخروج على الحكام وقتال، لا شك أنه مفتون وتخيَّل خلاف الواقع، ورأى ما ليس بحقٍ حقاً، وهو بذلك مفتون فتنة عظمى جليلة ».
وأورد ولد الددو في هذا السياق الحديث الشريف: « يستعمل عليكم أمراء يظلمون الناس ويكذبون في الحديث فمن صدقهم في كذبهم أو أعانهم على ظلمهم فليس مني ولستُ منه ولن يَرِد علي الحوض »، وأضاف في تعليق على الحديث: « أولئك قد باعوا شربة هنية من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يظمأ شاربها، بمناصرة أهل الباطل والتقرب منهم »، على حد تعبيره.
ولد الددو رد على مقارنة الرئيس الموريتاني لجماعات الإسلام السياسي بدولة إسرائيل، وإن كان لم يذكره بالاسم، ولكنه قال: « من علامات الفتن المضلة أن يظن الإنسان أن أهل الدين والإسلام شر من اليهود إخوان القردة والخنازير المفسدين في الأرض ».
وأضاف: « لا يمكن أن يكون هؤلاء أبداً خيراً من أحد من المؤمنين، بل إن الله شرف هذه الأمة فجعل فُسَّاقها خيراً من رهبان اليهود والنصارى، وجعل أفسق أهل علمها خيراً من أعلم اليهود والنصارى »، وفق تعبيره.
ولد الددو أفصح أكثر في نهاية خطبته حين قال: « يمكن أن يتفهم بعض العقلاء في حال المنافسة والحملة أن يصدر بعض الكلام الذي لا يقصد به إلا جمع الأصوات في وقت ذلك، لكن لا يمكن أن يتفهم العقلاء هذا بعد نهاية الحملة وانتهاء الانتخابات ».
وأضاف مخاطباً الجميع: « على الناس أن يعودوا إلى رشدهم وصوابهم جميعاً، على حاكمهم ومحكومهم أن يتقيدوا بالعقد الاجتماعي الذي يجمعهم وهو دستورهم الجامع، وأن يخافوا من حصول الفتن المضلة التي تهلك صاحبها في الدنيا وتكبه على وجهه في النار يوم القيامة ».
ودعا إلى المحافظة على الأمن والحذر من الفتنة، وقال: « عليهم جميعاً أن يحافظوا على الأمن والاستقرار في بلادهم، وألا يتركوا فرصة للشيطان للتحريش بينهم، وأن يعلموا أن الفتن إذا جاءت لا يمكن إيقافها، وأن من ظن أنه قادر على إيقافها فهو غالط في تصوره، فإذا جاءت خرجت عن السيطرة »، على حد قوله.
الخطبة التي يبدو أنها أغضبت السلطات الموريتانية، تم تداولها منذ أمس الأحد على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد ساعات من ذلك تحركت وحدات من الشرطة الموريتانية لتغلق مركز تكوين العلماء.
صحراء ميديا