قرأت اليوم عمن يتهم مدير ديوان رئيس الجمهورية الجديد بالفساد وسوء استخدام المنصب للإغراض الشخصية، وقد وجدتني مطالبا بتقديم شهادة خاصة في حق الرجل سيكون مهما للرأي العام الاطلاع عليها حيث تفند و تنسف تلك المزاعم لما تعكسه الوقائع التي سأسوقها فيها وشهودها جميعا إحياء يرزقون ـ من دور مشهود للرجل في مكافحة الفساد وسوء توظيف السلطة وتبين عن معدنه الأصيل في توخي خدمة الحق في صمت وبعيدا عن كل الأضواء.
بادئ ذي بدء لا بد أن أقدم بين يدي هذه الشهادة أنني لم يسبق لي معرفة شخصية بالرجل ولم التق به حتى اليوم، وأضيف انه لم يجر بيننا تواصل من أي نوع، وان العلاقة التي ربطتنا هي علاقة غريبة كل الغرابة فقد كانت من وراء ستار إن جاز لي استخدام هذا التوظيف، حيث قوامها انه كان يعرف ان في مدينة أطار صحفي مخلص لمهنته كرقيب على السلطة والذي كان يحرص هو على ان يرسل له إشارات بأنه يتابع ما يكتب عن الفساد والشطط في الولاية ويتدخل لتغييره،.. إشارات من قبيل مراجعة المسؤولين لي فيما اكتب عنهم في صحيفة الإعلام التي كنت أحررها حينها من أطار، واطلاعهم لي على حل ما أثرت من قضايا ضدهم تخص ظلم المواطنين و إهمال الاهتمام بمصالحهم،.. فيما كنت انأ اعرف ان التغير الحاصل في علاقات المسؤولين مع المواطنين ومعي ليست اعتباطية أو صدفة وإنما كانت بالأساس بسبب متابعة وحزم من رجل يهتم كثيرا بالاستقامة والنزاهة يجلس بنواكشوط في كرسي وزير الداخلية.
وسأقتصر هنا على حادثتين فقط ستلخصان ما أريد قوله عن اهتمامات الرجل الذي كان يومها وزيرا في حكومة سيد محمد ولد بوبكر 2005 -2007، وحرصه على تصحيح الأمور في الولاية التي كنت فيها، وبما يفيد انه كان يتابع عن كثب عمل مرؤوسيه من ولاة وحكام في عموم الوطن ويسهم في جعلهم يخدمون المواطن ويمتنعون عن ظلمه ومماطلته لدى مراجعته المصالح التابعة لهم، والمحصلة من ذلك هي السلوك النادر الذي يتمتع به الرجل في النظافة والمسؤولية التامة.
ـ الحادثة الأولى بطلتها سيدة عجوز اضطرت لبيع معزاتها الوحيدة التي هي مصدر شرابها وغذائها لتدفع لكاتبة حاكم مقاطعة أطار محمد الأمين ولد اعزيزي وتدعى انوينه مبلغا اشترطته لتستطيع الحصول منها على وثيقة جنسية لطفلتها الوحيدة بهدف استكمال ملف ترشحها لمسابقة دخول السنة الأولى إعدادية، وقد أثرت موضوع هذه العجوز ضمن فقرة قصيرة عن عمل الحاكم في ملاحظات عملت على تطويرها لاحقا في مقال بعنوان" من اجل مدونة تضبط سلوك وعمل الحكام والولاة في بلادنا".
وان انس لا انس الانزعاج الذي بدا على وجه الحاكم وهو يستدعيني في منزله عن طريق صديق للمقيل معه حين قال: لقد استدعاني وزير الداخلية على عجل الى نواكشوط ووجدت على مكتبه عددا من صحيفتك، وقد فاجأني قائلا: عليك ان تجيب على ما ورد عنك هنا فان كان صحيحا فعليك تغييره والاعتذار عنه للمواطنين، وان كان تلفيقا فيجب ان تضع الصحفي الذي كتبه في العدالة.
وحين أجاب الحاكم ولد اعزيزي الوزير بأنني صحفي مرتش طلبت منه بعض المازوت فلما رفض لفقت ضده تلك التهم المنشورة في الصحيفة، هز الوزير رأسه قائلا هذا الصحفي ليس من ذلك النوع، قبل ان يرد عليه بحزم: طيب إذا كان اتهامه لك غير صحيح فاجعله في المحكمة.
ولا تزال في أذني إلى اليوم كلمات التوسل للحاكم أن أفند كتابة وبسرعة ما ذكرت او اكتب عنه كلاما طيبا ليرضى عنه سيده الوزير، وقد اخترع الحاكم حلا عجيبا لدفعي للكتابة عن نزاهته فبعد أن وبخ الكاتبة المذكورة أمامي وطردها من مكتبه شر طردة، كان يرسل في اثري كل يوم ويمنحني مقعدا مقابل مقعده ثم يأمر بإدخال من يطلبون مقابلته من المواطنين لطرح مشاكلهم، وكان يحرص على أن يتصرف أمامي بمنتهى المسؤولية وهو يبت في كل حالة أو طلب على حدة، وبعدها يلتفت إلي قائلا أما آن الأوان لتكتب عن نزاهتي، غير انه لا يلبث ان يفقد اعصابه محتدا وهو يصيح (ياويلتاه ..من الذي ابتلاني بمثل هذا الصحفي المعقد!!) حين ارد عليه بهدوء أنني أرى أفعاله أمامي مجرد تمثيل، ثم اكرر عليه أنني سأعتبره حاكما جيدا إذا لم يأتني في مكتبي من يشكوه من المواطنين، وأطمئنه ـ وهو يذكرني ببالغ القلق بموقف الوزير الغاضب منه بسببي طبعا ـ قائلا: حين لا تأتيني شكاية منك وامسك عن الكتابة عنك أظن أن معالي الوزير سيفهم انك حاكم جيد واعتقد أن تلك ستكون ابلغ رسالة يتلقاها بخصوص تحسنك.
وسأكرر أنني عانيت من عدم تفهم الحاكم بسرعة للحل الذي تمسكت به وهو يذكرني يوميا بأنه مغضوب عليه من قبل الوزير بسبب كتاباتي عنه، واعترف انه تحسن كثيرا ولم تعد تردني منه أي شكوى بعد ذلك.
أما الحادثة الثانية فكانت مع رئيس البرلمان السابق محمد ولد بيليل والذي كان يومها واليا على آدرار، فقد فوجئت به يوما يرسل في طلبي بان احضر إليه في مكتبه، وحين حضرت وجدت معه حاكم المقاطعة با مع جميع قادة التشكيلات العسكرية بالولاية من جيش ودرك وحرس، وقد بادرني الوالي وهو يطلب مني ان اجلس على مقعد كبير يقابله: طلبت حضورك لأبحث معك موضوعاتك التي تكتب عني شخصيا كل حين على ان تكون مناقشتي معك فيها بحضور كل هؤلاء الشهود.
ثم أردف الوالي وهو يتكلف الابتسام وأنا أحس بمقدار الجهد الذي يبذله ليصبح ودودا ومهذبا إلى أقصى غاية وهو يخاطبني: سأذكرك انك بمثابة أخي الأصغر فنحن من جهة واحدة، ثم استطرد منكسرا : كلما ما أريد أن أؤكد لك اليوم هو أنني انأ أيضا بصفتي ارفع مسؤول في هذه الولاية التعرض أحيانا مثل المواطنين الذين تكتب عنهم للظلم حيث تلفق ضدي أمور انأ براء منها، وكل رجائي أن لا أتعرض للظلم على يديك حيث سأطلب منك أن تحقق معي شخصيا في أي موضوع ستثيره ضدي مستقبلا، وقد أردف فيما يشبه الاستجداء: انأ اطلب منك ذلك أمام جميع هؤلاء لأنني اعتقد أن هناك من يريد أن يدمر صورتي لدى رؤسائي و لدى الرأي العام المحلي بالخصوص.
وقد رددت على الوالي حينها بأنني لم اكتب إلا وقائع تحريت بنفسي عن أدلة صحتها، ثم أردفت وأنا انظر في وجوه الشهود الذين كانوا يتابعون المشهد في صمت وإجلال: بأنني أتمسك بكامل حقي في الكتابة وبالطريقة التي أراها مناسبة لكشف الفساد والشطط في سوء استخدام السلطة في الولاية، مع تذكيره بأنه يستطيع رفع دعوى ضدي أمام القضاء والذي أظل مسؤولا فقط أمامه وليس أمام أي شخص بما في ذلك رئيس الجمهورية .
وقد وجدت الفرصة مناسبة لأعرض أمامه وغيره نماذج من وقائع تخصه ذكرتها في كتاباتي وكانت صحيحة حسب ما لقيت من شهود وأدلة، واذكر وجهه وهو "يتعاطى الألوان"من الارتباك والخجل والذي كنت افهم منه بطريقة لا لبس فيها بأنه استوعب أخطائه ولن يسعى إلى تكرارها أبدا..وبان هنا قوة قاهرة ألزمته بالاجتماع بي ومحاولة التقرب إلي في محاولة جادة من تلك القوة لإصلاحه وإعادة تأهيله!.
وقد اتفقنا في نهاية اللقاء ـ الذي لم يتحدث فيه سوانا ـ على حل وسط وهو أنني سأبحث معه لاحقا ما أريد من أمور ترفع لي عن شططه وفساده على أن يبقى التقدير لي دائما بعرضه عليه من عدمه، و أنني سأكتب مباشرة إذا تأكدت انه ضالع في قضية ومن دون الرجوع إليه كما سأكتب ومن دون أن اضمن أقواله إذا لم اقتنع بحججه على أن يكون له فقط حق الرد.
واذكر أن الوالي استدعى أمامي وجمهور الشهود كاتبته تبيبه وأمرها أن تبلغه فور حضوري لمقابلته في أي وقت وهو يؤكد لي أن بابه يبقى مفتوحا أمامي لإجراء ما أراه من تحريات.. كما اعترف أن ولد ابيليل تحسن كثيرا في أدائه وتجاوب معي بان حل مجموعة من قضايا المواطنين التي راجعته فيها وعلى الفور، حيث كان يصدر أوامره بالرجوع عنها في حضرتي أحيانا من قبل بعض المصالح التابعة له.
كل هذه المواقف التي أعطت سلطة لصحفي معزول في ولاية نائية بحيث أصبح يحسب إلف حساب لما يكتب أهم مسؤولي الولاية كانت بسبب مدير رئيس الجمهورية الحالي محمد احمد ولد محمد الأمين، وهي تعكس جزءا أراه بسيطا من مناقب الرجل في الاستقامة واستخدام السلطة لمنع الفساد والشطط وتوظيف النفوذ في السيئ والاسوا، ولا ريب أن من كانت هذه بعض مواقفه مع مرؤوسيه في مواجهة كتابات صحفي هو شخص تسكنه العدالة والهوس بالإصلاح ارضاءا لقناعته الذاتية مع حب لا يؤثر فيه مؤثر للبساطة والبعد عن الأضواء وهي المناقب التي لابد ان تكون قربته من الرئيس ليختاره مدير لديوانه وكاتما لأسراره لتقاطعه معه فيها.
وسأقرر تأصيلا على ما سقته من ملاحظات ووقائع ان هذا الرجل نادرة زمانه في الاستقامة والنزاهة، وان اختياره لمنصب مدير ديوان الجمهورية هو تشريف لهذا المنصب أكثر منه تشريفا للرجل، وان أي كلام آو طعن في نزاهته واستقامته يظل مردودا على صاحبه، فقد كان أقوى على الفساد والشطط وهو وزير لوزارة سيادة منه في سفارة بتركيا، كما أن اتهامه بالاستحواذ على ست ملايين في الحملة لا يستقيم أمام التذكير بأنه ربا عن مئات الملايين من الأوقية من ميزانية وزارة الداخلية والقطع الأرضية بقيمة مضاعفة لها والتي كان يمكن أن يمنح لنفسه منها في تفرغ زينه وغيرها أضعاف ما منحه احد الولاة في نواكشوط لنفسه بالاحتواذ على 400 قطعة في الفلوجة في واقعة مشهورة.
وربما يكون خير رد على من نشر أخبار الاتهامات الأخيرة ضد مدير ديوان رئيس الجمهورية البيت الشهير:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ** فهي الشهادة لي باني كامل.
وبعد.. سلام على جميع الخيرين والنزهاء ممن يسكنهم حب الخير وفعله لا لشيء إلا لان ذلك هو ما ينبغي وليس طلبا لشهرة أو صيت.
محمد بابا موهدا
[email protected]
المصدر:موقغ الرقيب