د. أحمدو ولد اعليت يكتب: الوطن أولى..

ثلاثاء, 26/11/2019 - 16:15

حين كنت أتجول في سوريا بين دمشق وحلب وحمص واللاذيقية، بين الصفصاف والزيتون، كانت الأحلام تكتبني شعرا وتترجم خواطري لحنا جميلا، كنت أخطوا فوق التاريخ المدفون تحت التراب استنشق عبير حضارة عمرها آلاف السنين، أتأمل الدروس واستخلص العبر وأترقب من بعيد أخبار وطن ممزق الأشلاء ومحطم الكبرياء يسير عكس الزمن.. كان الحنين الطافح يشدني إلى العودة ومسارح الخيال وشريط الماضي ولوعة فراق الأحبة تركتها تعبث بي كما تشاء..

أفكر طوال الوقت بوطني، كيف يمكن ان نخرج به من براثن الضياع والتخلف إلى مصاف الدول المتحضرة ؟ كيف يمكن ان نحدث نقلة نوعية في زمن وجيز ؟ هل هناك أمل في الإصلاح أم ان الوقت فات ؟.. أسئلة مبعثرة مثل أحلامنا، أكتبها كل ليلة في دفتري قبل ان أخلد للنوم.

حين تخرجت من كلية الطب، كان بإمكاني ان اجد فرصة عمل أفضل في الخارج خصوصا في تلك الفترة كانت دول الخليج تشجع هجرة الأطباء إليها وهو ماحصل مع بعض زملائي، لكني اخترت وطني على ما فيه وضربت بالإغراءات المادية عرض الحائط.. فالوطن قرين النفس كما يقال

وَكُنَّا أَلِفْنَاهَا وَلَمْ تَكُ مَأْلَفًا=وَقَدْ يُؤْلَفُ الشَّيْءُ الَّذِي لَيْسَ بِالْحَسَنْ

كَمَا تُؤْلَفُ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ بِهَا=هَوَاءٌ وَلَا مَاءٌ وَلَكِنَّهَا وَطَنْ

بدأت في الخدمة مباشرة بعد عودتي من الغربة، واجتهدت في الأداء وصبرت على شظف الحال وواجهت الأخطار الصحية بصدر عاري مثل ما يفعل الجندي المرابط على الحدود في مواجهة الموت المحدق به في كل لحظة.. ومازلت على هذه الحال إلى اليوم.

وحين أشرق ضوء أمل في نفق التغيير مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز 2009 وتبنيه خطاب المعارضة، قلت لعل المسار يتبدل إلى الأحسن، فكنت أول الداعمين والمساندين لمشروعه الطموح، وسرت معه رفقة صديقي د. سيد أحمد ولد بدي حتى النهاية ولم نطلب يوما مقابلا لذلك ولم يعرض علينا أحد ذلك مع العلم أننا بذلنا كل طاقتنا وجهدنا في دعم وحشد الأنصار لذلك التغيير المنشود في كل المناسبات.. فقد كنا نرى فيه فرصة للتغيير ولو جزئيا، فلم نتخاذل ولم نتراجع رغم كل ما تعرضنا له و ما تعرض له الكثير من الأطر امثالنا من تهميش وظلم في عهده.. تغافلت عن الأمر فمصلحة الوطن بالنسبة لي أكبر وأسمى من مصلحة الأفراد حتى وإن كان الترابط بين المصلحتين واردا خاصة في ظل وجود الكفاءات العلمية المتيمزة.

عموما مصلحة الوطن تقتضي دائما منا أن نضحي من أجلها حتى وإن كان ثمة حيف وتمييز واضح يمارس ضدك في الخفاء والعلن.. فالوطن هو أغلى ما نملك ومن أجله مستعدون للموت مثل ما كان أجدادنا في ماضي الأيام مستعدين وفي هذا المقام أترحم علي أخي ورفيق دربي الدكتور ابراهيم ولد محمدن الذَّي استشهد وهو يقدم الإسعافات الطبية للمصابين بالحمى النزيفية في المستشفي الوطني سنة 2003.

عندما ترشح الأخ محمد ولد الشيخ الغزواني لمنصب الرئيس دعمناه ووقفنا معه لما علمنا عنه من استقامة ورشاد وبما يتمتع به من ذكاء ورجاحة عقل وفوق ذلك قائدا سابقا لأركان الجيوش التي في عهده شهدت نقلة نوعية تضاهي وتنافس نظيراتها في دول الجوار.

بعد ان خضنا معه حملة نظيفة -أفضت في الأخير إلى نجاح باهر على مستوى كافة التراب الوطني، تجسد به مفهوم مرشح الإجماع الوطني واقعا- بدأنا نتطلع معه إلى فتح صفحة جديدة يكون عنوانها التصالح مع الذات والوطن.. عنوانها التسامح والأمل ومد اليد إلى الطيف الآخر من السياسيين المعارضين والتجاوز عن الأخطاء وصرف النظر عن الصغائر سبيلا إلى فتح المجال أمام مواجهة التحديات الكبيرة التي في مقدمتها تحديات الأمن والاستقرار فلا تنمية ولا إصلاح في ظل انعدامهما لا قدر الله...

وبعد مرور مئة يوم من حكمه يمكن أن نقول بصوت عالي ان ما كنا نتطلع إليه من آمال وطموحات في نظام رئيس الإجماع الوطني الرئيس محمد الشيخ ولد الغزواني قد تحقق فعلا لا قولا، وأقرب دليل على ذلك جو التهدئة الذي نعيشه الآن، فاستقبال المعارضة واحتضانها يبشر بروح التسامح والتصالح ويجسد سنة التشاور لدى قائدنا وربان سفينتنا؛ رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد ولد الشيخ الغزواني. ثم إن تمكين 700 طالب من استعادة حقهم المشروع في التعليم و ولوج الجامعة خطوة في الاتجاه الصحيح لقطع الطريق على الأجندات الخبيثة الساعية إلى خلق جو من عدم اليقين للقائد الجديد(نظرية أنا أو الطوفان)، وكذلك حملة محاربة الأدوية المزورة التي جاءت في التوقيت المناسب بعد ان ظلت عقودا من الزمن مسرحا يرقص فيه المتاجرون على جثث المواطنين. كما ان انفتاح وسائل الإعلام الرسمية على جميع الطيف السياسي ورد الاعتبار للمواطنين دون تمييز او محاباة خطوات جديرة بالتثمين والمباركة.. وعلينا جميعا موالاة ومعارضة ان نباركها ونقف مع من صنعها في وقت وجيز.

والآن لاشك ان موريتانيا على السكة الصحيحة ول