في إطار ردود أفعال النخبة السياسية والفكرية في موريتانيا عقب وفاة السياسي الوطني المخضرم، محمد المصطفى ولد بدر الدين؛ كتب الوزير والدبلوماسي السابق محمد فال ولد بلال؛ رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، تدوينة في صفحته على موقع "فيسبوك" اعتبر فيها أن إقامة الصلاة على جنازة الفقيد صدفة عجيبة إذ أن ساحة ابن عباس تعتبر رمزا للتظاهر والنضال؛ حيث بين أن "كل شيء في حياة الرجل ووفاته برمز للنضال وقول الحقيقة".
واستذكر ولد بلال، في تأبينه لولد بدر الدين، أول لقاء جمعهما في ستينيات القرن الماضي "ضمن حلقات نقاش كانت تعقد بانتظام وحماس بجوار أسرة أهل سيدي ولد حمود عند خيمة أهل أمحمد والسيدة الكريمة الطفيلة منت المحمود".
نص التأبين:
قالوا: بدر الدين وافاه الأجل المحتوم .. قلتُ: متى؟ قالوا: ليل 6-7 اكتوبر 2020.. قلت: و أين؟ قالوا: في الجزائر .. هكذا إذن، شاء الله أن يتوفي المناضل بدر الدين على أرض المليون
شهيد! وباغتني قول الشاعر:
صبرا جميلا والعزاء جميل ولكل بدر طلعة و أفول
قلت: ومتى الصلاة على روحه الطيبة، وأين يوارى جثمانه الطاهر الثرى؟
قالوا: الصلاة مساء السبت والدفن في صالحين "لكصر" يوم 10-10-2020. قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله: الصلاة عليه قرب ساحة بن عباس حيث النضال و التظاهر و الكفاح..
كل شيء في حياة الرجل و وفاته يرمز للنضال و قول الحقيقة.
وفورا عادت بي الذاكرة إلى أول لقاء جمعني بالفقيد العزيز في أواخر ستينات القرن الماضي ضمن حلقات نقاش كانت تنعقد بانتظام وحماس في جوار أسرة أهل سيدي ولد حمود عند خيمة أهل أمحمد والسيدة الكريمة اطفيله منت المحمود..كنا نجتمع هناك في حلقات قراءة ونقاش يختلط فيها الأدب بالفكر والسياسة ..وكنا نحتفي ونفرح و نأتي بكثرة كلما سمعنا عن مشاركة محمدو الناجي أو بدر الدين أو إشدو ..وفي يوم من الأيام كان بدر الدين رحمه الله معنا ويحاضر عن ما يسميه "ثالوث العمل الثوري": الوعي والفن والسلاح" . وفي ذات المساء قلت لمحمد شين ولد محمادو، وهو يغني:
يا امحمد الاستعمار @ ما يتنازل بالبَوه يتنازل بالكَتار @ والمدفع واستيلوه
ضحك المرحوم محمد المصطفى، وقال: "فالِ، هذا الگاف إعلان ولاء للحركة". ويومها لم أكن أحضر إلاّ من باب مسايرة "الموضة"، ولكن كلمات الزعيم بدر الدين دفعتني إلى الأمام دفعا.. مرت الليالي والأيام وقد مضى على ذلك اللقاء ما يقارب نصف القرن ومازال مكان الأستاذ بدر الدين أخضرا في قلبي. ومازال الحب له وفيه، والإعجاب لذكرى ما قضيناه معا من زمن الشباب (70-75) يعمر قلبي ويحرك مشاعري.
إن ليل الثلاثاء/ الأربعاء (6-7) اكتوبر 2020 لهو ليلٌ حزين ليس لي شخصيا، وليس لمن عرف البدر عن قرب، وليس لأسرته الصغيرة والكبيرة، بل هو ليل حزين لأحرار موريتانيا والعالم، ولصاحب كل ضمير أو قلم حر، ولكل من يتقدم بشجاعة لقول كلمة الحق، ولكل من قرر أن يخوض معركة الحرية ويقارع الاستبداد، ويدفع ثمن الدفاع عن المبادئ ومصالح الوطن.
أستاذي وأخي بدر الدين، عرفتك عن قرب وحاولت التعلم منك ومسايرتك في البذل والعطاء والنضال، ولكني ما استطعت الوصول معك إلى خط النهاية.. لا يصل إلى خط النهاية ولا يستحق التتويج إلاّ ذو صبر وإيمان و شجاعة وطول نفس مثلك أنت وأنتاجك .. واليوم، أستاذي وأخي، أرى من واجبي و من واجبنا جميعا أن نعطيك بعض حقك، تكريما لعطائك خلال مسيرتك التي قضيتها في هذه الحياة مكافحا من أجل الوطن والشعب.
لقد رحلت جسدا، ولكن ذكرياتك تبقى عالقة في الأذهان والأرواح. ويبقى الشباب الموريتاني عامة و"المگطعي" خاصة ينهل من أنفاسك الطيبة، ويتذكر صوتك العذب الجميل حين يصدح بالحق.
اللهم اغفر لأخينا محمد المصطفى ولد بدر الدين وارحمه واكرم نزله وبارك في خلفه. العزاء للأسرة الكريمة ولكل أحرار موريتانيا والعالم.
إنا لله وإنا إليه راجعون..".